بعض الناس يشغل الآخرين بكثرة التوجيهات والملاحظات حتى يوصلهم إلى مرحلة الملل والاستثقال ..
خاصة إذا كانت النصائح والتوجيهات مبنية على آراء وأمزجة شخصية ..
كمن ينصحك بعد وليمة دعوت الناس إليها وتعبت في إعدادها وتعب معك أهلك ومالك ! ثم يقول لك هذا الناصح : يا أخي الوليمة ما كانت مناسبة .. وتعبك ذهب هدراً .. وكنت أظن أنها ستكون بمستوى أعلى من هذا .. فتقول لماذا ؟ فيقول : يا أخي أكثر اللحم كان مشوياً .. وأنا أحب اللحم المسلوق !!
والسلطات كانت حامضة بسبب اللليمون .. وأنا لا أحب ذلك ..
وكذلك الحلويات كانت مزينة بالكريمة .. وهذا يجعل طعمها غير مقبول ..
ثم يقول لك : وعموماً أكثر الناس أيضاً تضايقوا .. وما أكلوا إلا مجاملة .. أو لأنهم اضطروا إليه ..
فقطعاً .. أنت هنا ستنظر إلى هذا الناصح نظرة ازدراء وإعراض .. ولن تقبل منه نصيحته ؛ لأنها مبنية على آراء وأمزجة شخصية ..!!
قل مثل ذلك فيمن ينصح آخر حول طريقة تعامله مع أولاده .. أو مع زوجته .. أو طريقة بنائه لبيته .. أو نوع سيارته .. بناء على ذوقه الخاص ..
انتبه دائماً أن تكون هذه النصائح والانتقادات مبنية على مجرد أمزجة شخصية ..
نعم لو طلب رأيك .. أبده له واعرضه عليه .. أما أن تتكلم معه وتنصح كما تنصح المخطئ .. فلا ..
وأحياناً .. المنصوح لا يشعر أنه مخطئ فلا بد أن تكون حجتك قوية عند نصحه ..
جلس أعرابي صلف مع قوم صالحين .. فتكلموا حول بر الوالدين .. والأعرابي يسمع ..
فالتفت إليه أحدهم وقال : يا فلان .. كيف برك بأمك ..
فقال الأعرابي : أنا بها بار ..
قال : ما بلغ من برك بها ؟
قال : والله ما قرعتها بسوط قط !!
يعني إن احتاج إلى ضربها .. ضربها بيده أو عمامته .. أما السوط فلا يضربها به .. من شدة البرّ!!
فالمسكين ما كان ميزان الخطأ والصواب عنده مستقيماً ..
فكن رفيقاً لطيفاً .. حتى يقتنع الذي أمامك بخطئه ..
كان في عهده e امرأة من بني مخزوم تستلف المتاع من النساء ..
وتتغافل عن رده فإذا سألوها عنه جحدته .. وأنكرت أنها أخذت شيئاً ..
حتى زاد أذاها في الجحد والسرقة فرفع أمرها إلى رسول الله e .. فقضى فيها أن تقطع يدها ..
فشق على قريش أن تقطع يدها وهي من قبيلة من كبار قبائل قريش ..
فأرادوا أن يكلموا النبي e ليخفف هذا الحكم إلى حكم آخر .. كجلد أو غرامة مال .. أو نحو ذلك ..
وكلما توجه رجل منهم لنقاش النبي e في هذا الأمر .. تردد ورجع ..
فقالوا لن يجترئ على رسول الله e إلا أسامة بن زيد .. حِبُّ رسول الله e وابن حِبِّه ..
تربى هو وأبوه في بيت النبي e حتى صار كولده ..
فكلموا أسامة ..
أقبل أسامة إلى رسول الله e .. فرحب به وأجلسه عنده ..
جعل أسامة يكلم النبي e ليخفف الحكم .. ويبين أن هذه المرأة من أشراف الناس ..
وأسامة يواصل الكلام والنبي e يستمع .. كان أسامة يحاول إقناع النبي e برأيه ..
نظر النبي e إلى أسامة .. فإذا هو يحاول ويناقش .. بكل قناعة ..
ولا يدري أنه يطلب منه ما لا يجوز ..!!
فتغير النبي وغضب e وكان أول كلمة قالها أن بين له خطأه فقال :
أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة ؟
فكأنه يبين سبب غضبه لأسامة .. وأن حدود الله تعالى التي أوجب على عباده إقامتها لا تجوز الشفاعة فيها ..
فانتبه أسامة .. وقال فوراً : استغفر لي يا رسول الله ..
فلما كان الليل .. قام e فخطب في الناس وأثنى على الله بما هو أهله .. ثم قال :
” أما بعد .. فإنما أهلك الذين من قبلكم :
أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه .. وإذا سرق فيهم الضعيف .. أقاموا عليه الحد ..
وإني والذي نفسي بيده .. لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ..”
ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها ..
قالت عائشة t : فحسنت توبتها بعدُ .. وتزوجت ..
وكانت تأتيني بعد ذلك .. فأرفع حاجتها إلى رسول الله e
د. محمد العريفي
.
Reblogged this on Amaaaani's Blog.
لا اله الا الله